واحة الزيغن .. الجنوب الليبي
إن السفر من خلالك شر لا يقطعه إلا السير .. هكذا المثل الذي يردده أهل الصحراء في مناجاتهم لها .
الزيغن … إحدى واحات فزان تتموقع في أحضان الصحراء بالطرف الشمالي لوادي البوانيس الذي يشمل أيضا مناطق سبها وسمنو وتمنهنت إلى الجنوب.
مثلت في الماضي نقطة التقاء القوافل العابرة للصحراء والقادمة من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال . إذ تتوسط المسافة بين وديان الشاطي ومرزق . تفصلها عن زويلة وتمسة اللتان تمثلان الطرف
الشمالي لوادي مرزق 130 كلم . وعن مناطق اشكده وقيره وبراك الطرف الشرقي لوادي الشاطي 50 كلم . كما إنها على مسافة 75 كلم عن مدينة سبها حاضرة الإقليم إلى الجنوب . وفي الشمال حيث واحة الجفرة على بعد 300 كلم . والفقها شمال شرق بمسافة 130 كلم . وقد منحتها حالة التواصل مع كل هذه المناطق المترامية أشبه ما يكون ببوابة الصحراء أو بداية الطريق إلى الجنوب حيث فزان وبلاد السودان ( أفريقيا السمراء ) .
في واحة الزيغن… القرية تتوسط غابات النخيل التي تنتشر في مساحات شاسعة وممتدة إلى مئات السنين حيث شكل التمر إلى جانب الحبوب الغداء الرئيسي والطابع المميز للنشاط الاقتصادي . إضافة إلى الرعي الذي تيسر مهمته توافر الكلأ من عشب العقول والضمران التي تغطي هي الأخرى مساحات مناسبة للرعي وإن لم تكن تثنى الأهالي عن التوجه شمالا نحو مناطق سرت والهاروج في حالات الندرة ، لنفس المهمة ولهمة المقايضة بمنتجات تلك المناطق .
بين الصخور والكثل الجبلية ذات اللون الأسود الغالب والتي تهدي لك بين الحين والأخر تحفة من المتحجرات النباتية أو الحيوانية ، وبين الكثبان الرملية التي هي أشبه بالأمواج وقد توقفت في بحر الرمال ، ترى همسا يؤيد الفرضية القائلة بان رمل الصحراء من إنتاج البحر .. ومهما كان أكيدا أن الماء قد اوجد الكثبان في الصحراء ، فانه أكيد أيضا أن الرياح هي التي منحتها شكلها الخارجي ومنحتها لقبها ــ عرق ــ سيف ــ خشم .
بين هذا وذاك .. وحيث لا يبقى لك إلا الصوت البعيد للأشياء غير المحدودة .. تقف شجرة النخيل .. الوصفة هبة الطبيعة للحياة في الصحراء .. تصارع قسوة الطبيعة لترسم دورة التناغم بين الحياة والموت ، في لوحة ربانية رائعة الجمال ، يملؤها الوفاق والتنافر ، فاللون الأخضر لون الأمل والحياة في طلع النخيل يداعب كثبان الرمال و قفر الماء .
لا تزال ماثلة تلك الأكوام الصغيرة من الصخور التي رسمتها جحافل غرستياني على صدر صحراء فزان وهي تقتفي المسالك في اثر خفاف الجمال … ولا تزال الصحراء تردد بكائيته الشهيرة ” إن لك سحر الأشياء الخفية التي إن قبضت لا ترحم ” … ولا تزال الصحراء تبعث برسالاتها إلى أولئك الذين تتملكهم الرغبة لان ينعموا من الصحراء بتلك الخلوة التي تحرر الذاكرة من ضغط الشعور بأشياء العالم … فلا شيء أكثر وقعا في النفس من ذلك الصمت الذي يغلف الصحراء … حقا إذا كانت الدهشة أول المعرفة فالصحراء الدهشة بعينها .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]